Pages

فقهاء الإسلام يتحدثون عن أحكام وآداب تعامل الأقليات المسلمة مع غير المسلمين

شكرا - رسالة الإسلام
الشيخ بدر القاسمي: صلة غير المسلم وبره والإحسان إليه جائز شريطة أن لا يكون محاربا
الشيخ المطلقينبغي للمسلم المقيم خارج ديار الإسلام أن يمثل الإسلام خير تمثيل في تلك المجتمعات حتى يعجب أولئك بأخلاق المسلمين
د. الألفيلا نرى مانعاً من تفاعل الأقليات المسلمة داخل المجتمعات التي تعيش فيها؛ فهذا لا يتعارض مع مبادئ الإسلام وتوجيهاته، وقد يؤدي إلى زيادة أعداد المهتدين من المواطنين، مع مراعاة التمسك بالثوابت الإسلامية
د.صهيب حسن: يجب استغلال بعض المناسبات التي يدعى إليها المسلمون لشرح حكم الإسلام إما بالمشاركة أو بمقاطعتها إذا استدعى الأمر ذلك
د.فضل الهادي وزينيشير إلى أهمية التعاون مع غير المسلمين في مجال الإعلام من أجل شرح القضايا الإسلامية بمختلف أبعادها في وسائل الإعلام الغربية والتواصل معها من أجل رد وإزالة الشبهات التي تلصق بالإسلام والمسلمين من قبل المتطرفين من اليهود والنصارى زورا وبهتانا
إن الأقليات الإسلامية شأنها شأن المسلمين عموماً وإن قضاياها الاجتماعية ليست أقل من قضايا المسلمين الذين يعيشون في بلاد المسلمين، بل توجد بطبيعة الحال لديها تعقيدات أكثر لأنها تعيش مجتمعات غير إسلامية ومضطرة إلى التعامل مع الأحكام غير الإسلامية في حياتها العامة ، كما أن هناك مجالات وقواسم مشتركة بين الأقليات المسلمة وغيرهم ، ومن المعروف في ديننا الحنيف أن التعاون بين العباد على الخير، وتكميل فضائل النفوس وتعبيد الناس لله وحده، لا شريك له، واجب المسلم فيما بينه وبين الناس، مثلما كان واجبه مع ربه تقواه ومخافته، {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(المائدة 3). {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (العصر 1-3). فإن تعاون الجاليات المسلمة مع غير المسلمين فيما يتعلق بتحقيق المصالح المشتركة أمر ممدوح، فالمجالات الإنسانية واسعة وقيادتها أوسع خاصة أن الإسلام دين الإنسانية، والمسلمون بإيمانهم بما بعث الله من رسل وبما أنزل عليهم من كتاب أقرب إلى مفهوم الوحدة الإنسانية من غيرهم الذين يفرقون بين الله ورسله أو لا يؤمنون بذلك.. وتعتبر مسألة تعاون الأقليات مع غير المسلمين في تحقيق المصالح المشتركة قضية جوهرية، والإسلام يلبي كل حاجات بني الإنسان على أي أرض أو تحت أي سماء، والمسلمون بدورهم حريصون على نقاء المجتمعات بما لا يخالف شريعة الله تعالى، وعلى تحقيق مصالح عباد الله ما لم تتعارض مع دينهم وعقيدتهم، وربما يكون هذا التعاون سببا لدخول الكثيرين في دين الله سبحانه وتعالى. ولما كان الموضع بهذه الدرجة من الأهمية أصبح واجبا على الأقلية المسلمة أن تتعاون مع غيرها، وتتأكد أهمية هذا التعاون في الوقت الذي تتصاعد فيه مظاهر العنصرية والإقصاء ضد الأقليات المسلمة وتأخذ أشكالا مختلقة كما نقرأ ونسمع ونشاهد في وسائل   الإعلام  
ولإبراز الجوانب المهمة للموضوع ومناقشتها يشاركنا كل من صاحب الفضيلة معالي الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الله بن محمد المطلق عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية, وفضيلة الأستاذ الدكتور محمد جبر الألفي مفتي المسلمين في فرنسا سابقا وعضو مجمع الفقه الإسلامي لمنظمة التعاون الإسلامي، وأستاذ الفقه في المعهد العالي للقضاء في الرياض، وفضيلة الشيخ الدكتور صهيب عبد الغفار حسن الداعية الإسلامي والمشرف على عدد من الأنشطة والمشاريع الإسلامية في لندن وعوض المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، وفضيلة الشيخ بدر الحسن القاسمي نائب رئيس مجمع الفقه الإسلامي بالهند وعوض ملتقى العلماء برابطة العالم الإسلامي،وفضيلة الدكتور فضل الهادي وزين أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعتي سلام العالمية في كابول والجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ليحدثونا عن مشروعية هذا التعاون وقواعده ومنطلقاته وأهم مجالاته ومظاهره، وأولويات العمل المطروحة لتفعيل الوجود الإسلامي في أرض أوربا وأمريكا وبقية الدول الغربية من خلال التعاون مع الأقليات الأخرى أو مع بعض فئات المجتمع التي لها مطالبها الخاصة وتتحد مع مطالب المسلمين ومصالحهم...
واقع الأقليات
في البداية يقول الشيخ بدر القاسمي : صلة غير المسلم وبره والإحسان إليه جائز شريطة أن لا يكون محاربا، وهو من مكارم الأخلاق التي يقول عنها النبي صلى الله عليه وسلم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"  وعن حكم مساعدة غير المسلمين في حالة وقوع  الكوارث الطبيعية العامة مثل الزلازل والفيضانات وغيرها يقول فضيلته: يجوز للإنسان المسلم أن يقوم بعمل إغاثي ويقدم مساعدات مالية وعينية من غير تفريق بين مسلم وكافر وإن كان إنقاذ حياة مسلم أولى من غيره..مستشهدا بقول الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى { لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين}(الممتحة 8): " هذه الآية رخصة من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم أن يبروهم ويقسطوا إليهم إنما يعطونهم قسطا من أموالهم على وجه الصلة ".
وعن المشاركة التجارية مع غير المسلمين والمعاملات المالية من البيع والشراء والإيجار والرهن يقول فضيلته أن مثل هذه المعاملات فيها مباح وشائع ومأثور منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ومتداول بين المسلمين ولا يمنع من التعامل إلا ما هو محرم مثل التعامل بالربا والمخدرات والخمر ولحم الخنزير وما شابه ذلك.
كما يحدثنا فضيلة الشيخ العلامة عبد الله المطلق فيقول: الأقليات المسلمة في بلاد غير المسلمين إما أن تكون قوية، وإما أن تكون ضعيفة وإما أن يكون في ذلك المجتمع قانون يحمي حقوق الأفراد والأقليات، وإما يكون القانون غائبا عن الساحة، فتختلف الأحكام باختلاف الأحوال، لكن بما أن السؤال في التعاون، وحكم التعاون في المصالح المشتركة مقيد بالمصالح، فإن المسلمين في هذه المجتمعات يقرب حالهم من حال المسلمين في صدر الإسلام حينما كانوا في الحبشة لاجئين عند النجاشي ملك الحبشة، وكذلك عندما كانوا مقيمين في مكة مستضعفين، والمستضعفون من المسلمين لهم أحكام، وإذا طلب منهم التعاون فيما يجلب مصلحة أو يدفع مضرة، فمن المصلحة المشاركة في ذلك، والإسلام يدعمهم ويؤيد مثل هذه الأمور، يقول ربنا عزوجل في سورة الممتحنة: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، (الممتحنة 8) والبر الصلة وحسن الخلق، وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فقال: "البر حسن الخلق" وقد أمرنا الشرع أن نقول للناس حسنا وأن نخالق الناس بخلق حسن، وقال صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" أي عامة الناس: المسلم والكافر.
ومادام الأمر يدور على تحقيق المصالح ودرء المفاسد، فإن المسلم يتعاون مع رعايا الدولة التي يقيم فيها، والتي أصبح هو فردا من أفرادها، يتعاون معهم فيما يجلب المصالح وفيما يدرأ المفاسد، وينبغي أي يكون المسلم ذا سمعة حسنة، فإن الدعوة إلى الله من أعظم وسائلها القدوة الصالحة، والقدوة الصالحة هي بالقول الصالح والعمل الصالح وبأن يمثل الإسلام خير تمثيل في تلك المجتمعات حتى يعجب أولئك بأخلاق المسلمين ويطمئنوا لها ويوجهوا أولادهم للاقتداء بها، فإن هذا من أعظم ما يجب على المسلمين. إذ الدعوة إلى الله واجبة على المسلمين أداؤها بالقدوة من أعظم الواجبات، فإن ربنا جل وعلا يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فجميع أتباع حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم يجب أن يكونوا دعاة إلى الله بالقدوة الحسنة والقول الحسن والتعاون فيما ينفع والابتعاد عما يضر.
أما الدكتور صهيب عبد الغفار فيفتتح الحديث ببعض القواعد التي تحكم التعاون مع غير المسلمين من كتاب الله العزيز، قائلا: إن الله رسم لنا في عدد من آيات القرآن الكريم الخطوط العريضة والقواعد المثلى التي يجب أن يسير عليها المسلمون في تعاملهم مع غير المسلمين سواء كانوا في بلاد يحكمها المسلمون أو في بلاد يحكمها غيرهم وإن كان ثمة اختلاف في نوعية التعامل إذا كان المسلمون في موضع الضعف، قال تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ}(آل عمران 28)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(المائدة 51). ومن أكثر الآيات التي تدل على الفرق في باب الولاء والبراء بين نوعين من الكفار صراحة قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(الممتحنة 8-9) مشيرا إلى ما ذكره صاحب تتمة " أضواء البيان " في تفسر هذه الآية من أقوال العلماء وأردفها بقول الطبري حيث قال "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال عني بذلك قوله تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم إن الله عزوجل عم بقوله: {الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ} جميع من كانت تلك صفته، فلم يخصص به بعضا دون بعض ولا معنى لقول من قال: ذلك منسوخ، لأن بر المؤمنين من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب أو ممن لا قرابة بينه ولا نسب غير محرم ولا منهي عنه، وإذا لم يكن في ذلك دلالة له أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام أو تقوية لهم بكراع أو سلاح".
مشروعية التعاون
وعن مشروعية التعاون مع غير المسلمين لتحقيق المصالح المشتركة يقول فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله المطلق: يختلف حكم التعاون باختلاف المصالح المراد تحقيقها، فإن كانت المصالح المراد تحقيقها واجبة يكون التعاون معهم في ذلك واجبا، وإن كانت المصالح المراد تحقيقها مستحبة يكون التعاون معهم مستحبا، فإذا دعت حكومات تلك المناطق التي يعيش فيها المسلمون إلى احترام النظام والتعاون مع الشعب فيما يحفظ الأمن ويحفظ حرمات الآخرين ويحد من إجرام المجرمين ويمنع تسلطهم على الناس فإن التعاون معهم في ذلك واجب, لأن الواجب لا يتم إلا بمثل هذه الأمور، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، إما إذا دعت إلى التعاون في بعض الأمور المالية التي هي من أعمال الناس وفيها مصالح لهم ولكنها غير واجبة لأنها من الأمور التكميلية فإن التعاون حينئذ يكون مستحباً غير واجب، كأن تدعو تلك الحكومات – مثلا إلى التعاون في الادخار أو التعاون في شيء ينفع الناس, ففي هذه الحالة الادخار مصلحة وليس فيه مضرة والتعاون حينئذ مستحب، لأننا ذكرنا أن حكم التعاون يأخذ حكم الشيء المتعاون فيه، فإن كان التعاون في واجب فهو واجب وإن كان في مستحب فهو مستحب.
قواعد ومنطلقات التعاون
وأشار الدكتور صهيب إلى بعض القواعد والمنطلقات مما كان من أمر التعامل معهم وهناك جوانب أخرى لهذا التعامل من جراء الاحتكاك بغير المسلمين في ديار الكفر داعيا الاسترشاد بهذه الضوابط:
أولا: عدم توجيه أي سب أو شتم إلى ديانتهم, ومجادلتهم بالتي هي أحسن عملا بقوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران 46)، وقوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (العنكبوت 64).
ثانيا: التعاون معهم في إنكار المنكر الذي يرونه منكرا أيضا في ديانتهم فإن الحكومات الموجودة في الغرب حاليا طغت عليها المادة والإباحية عموما حتى أصبح المعروف لديها منكرا والمنكر معروفا، وفي أحايين كثيرة نرى بعض النصارى متضايقين من تصرفات أولياء أمورهم لكنهم لا يجدون قوة كافية لردع كثير من المنكرات المتفشية في مجتمعاتهم لأجل تكالب قوى الشر وراءها.
ثالثا: استغلال بعض المناسبات التي يدعى إليها المسلمون لشرح حكم الإسلام إما بالمشاركة أو بمقاطعتها إذا استدعى الأمر ذلك.
رابعا: هناك عدد من ضروب العمل التي يمكن عن طريقها مناصرة المسلمين وشد أزرهم وتقوية وجودهم ومساعدة عاجزهم وملهوفهم مثل المحاماة والشرطة والعمل الاجتماعي وينبغي للمسلمين عدم إغفالها أو الاحتراز منها.
خامسا: من الممكن في ظل النظام الجمهوري السائد في أكثر الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية تحقيق كثير من مصالح المسلمين ولا يمكن ذلك إلا إذا شارك المسلمون في العمل السياسي الموجود في هذا البلاد مثل قبول العضوية في أحد الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات بشرط ألا يؤدي ذلك إلى نقض عروة من عرى الإسلام أو إلى موالاة قلبية لغير المسلمين أو مناصرة فعلية لأعداء الإسلام.
الضوابط الشرعية للاختلاط والسلوك اليومي مع غير المسلمين
وعن الحكم الشرعي وضوابط الاختلاط والسلوك اليومي مع غير المسلمين في مثل: إلقاء السلام عليهم والرد عليهم – مصافحتهم ومعانقتهم- عيادة مرضاهم – تشييع جنائزهم وتعزيتهم – زيارتهم لتفقد أحوالهم – استئمانهم واستيداعهم- الاستعارة منهم، قال الشيخ الدكتور عبد الله المطلق: اختلف العلماء في تلك المعاملات، فمثلا بعض العلماء لا يرون بدء الكافر بالسلام، ويستدلون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام" ويرى بعض العلماء جواز أن يبدأ الكافر بالتحية, ولكن ليس بلفظ السلام المعروف.. بل يقال له مثلا: صبحك الله بالخير، ويقصد هدايته للدين، أو يقول نفعك الله بباقي عمرك أو نحو ذلك مما يقصد به هدايته.
وبعض العلماء يرى أنه يجوز أن يبدأ بالسلام واستدلوا بأن القرآن الكريم ورد فيه السلام على الكفار، فإبراهيم بعد أن عجز عن دعوة والده بعد جدال طويل قاله له: {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} (مريم 47) ويقول أيضا في آية أخرى: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} (القصص 55) والكفار من الجاهلين كما حكى ذلك القرآن الكريم، ففيه: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} (الزمر 64). فهذه مسألة خلاف بين العلماء، والإنسان إذا قصد دعوة من خالفه من الكفار جاز له أن يبدأهم بالألفاظ التي يدخل بها إلى قلوبهم من غير أن يبدأهم بلفظ السلام.
أما عن مصافحتهم فقال فضيلته: إنها تجوز وليست من الموالاة, وكذلك يجوز أن ويصافحهم ويجلس معهم ويعود مرضاهم كما عاد النبي صلى الله عليه وسلم الشاب اليهودي الذي دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأسلم في آخر عمره رواه البخاري, وهذا من البر الذي أذن الله فيه حين قال في القرآن الكريم: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة 8).
ويجوز أيضا استئمانهم كما ورد في القرآن الكريم: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} (آل عمران 75)، ويجوز الاستعارة منهم، فقد استعار النبي صلى الله عليه وسلم أدرعا من صفوان بن أمية في معركة حنين، فهذه من المعاملات الجائزة التي أجازها الشرع لهم.
أما تشييع جنائزهم، وتعزيتهم فيجوز ذلك قياساً على الزيادة لكن لا يعزيه بلفظ يدل على أن الكافر ذهب إلى خير، بل يستعمل بعض الألفاظ التي يدعو بها للحي بهدايته ونفعه كأن يقول: "خلف الله عليكم بخير "أو نحو ذلك, فهذا لا بأس به في تلك المجتمعات، لأن المسلمين أقلية ولهم جيران يتعاملون معهم ويتعاونون معهم، فإذا عملوا مثل هذه الأعمال فنرجو الله تعالى أن يكون ذلك مما هو جائز ولا حرج عليهم إن شاء الله.
مظاهر التعاون ومجالاته
وعن أبرز مجالات التعاون قال الدكتور صهيب عبد الغفار: إنها تأتي من خلال المشاركة في مناسبات يدعى إليها المسلمون من قبل النصارى أو غيرهم وخص النصارى بالذكر، لأن المسلمين أكثر احتكاكا بهم من غيرهم في بلاد الغرب خاصة،ويضيف الدكتور صهيب بأن هذه المشاركة فرصة لإبراز دعوة الإسلام إذا أتيحت للمدعو فرصة الكلام، مشيرا إلى تجربة شخصية له في هذا الخصوص قائلا: وجهت إلي دعوة لحضور حفل بمناسبة مرور مائة عام على مستشفى من المستشفيات في منطقة "هيكني" بشرق لندن وإغلاق أبوابه نهائيا حيث لم يعد مبناها يصلح للاستعمال، وقد طلب من كل ممثل لديانة من الديانات قراءة شيء من كتابه المقدس في هذا الحفل، فطلبت منهم قراءة آيات من القرآن الكريم مع ترجمة معانيها باللغة الإنجليزية، وقد أرادوا صرفي عن هذا الاقتراح بحجة ضيق الوقت، وأخيرا رضخوا لمطلبي وسمحوا لي بقراءة الترجمة أيضا فاستغلت هذه الفرصة حيث قرأت عليهم آيات من سورة الروم بدءا بقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (الروم 17) إلى قوله: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الروم 27) وكان لهذه القراءة أثرها الطيب كما أفادتني بذلك منظمة البرنامج فيما بعد في خطابها.
وقال الدكتور صهيب: قبل عدة أعوام اقترح المجلس البلدي لمنطقة "هيرنجي" إحدى المناطق الشمالية لمدينة لندن الكبرى إدخال كتب مصورة في مكتبات المدارس الابتدائية ليطلع عليها الأطفال وهي كتب تصور حياة أصحاب الشذوذ الجنسي كنمط من الحياة مقبول لديهم حيث صوروا رجلين يعيشان معا وقد تبنوا طفلة بينهما،وكاد المجلس يوافق على هذا الاقتراح لو لا اجتماع المسلمين والنصارى على التنديد بهذا العمل عن طريق المظاهرات واجتماعات ورفع مناشدة مكتوبة إلى المجلس وكانت لي مشاركة لتمثيل الموقف الإسلامي في هذا الموضوع.
وكانت هناك محاولة أخرى من قبل المجلس نفسه لإدخال كتاب سلمان رشدي الخبيث المسمى "آيات شيطانية" في مكتبات عامة بهذه المنطقة فاحتج المسلمون على ذلك وأتيح لي المجال لقراءة شيء من اقتباسات هذا الكتاب على ملأ منهم في اجتماع المجلس حتى يطلعوا على لغة الكتاب القبيحة المليئة بالسباب والشتائم فقوبل هذا الاقتراح بالرفض أيضا.
وأوضح الداعية الإسلامي الدكتور صهيب بأن عددا من فضلاء المسلمين شاركوا في جمعية رعاية الحيوانات واستطاعوا بأن يقنعوا الأعضاء الآخرين من غير المسلمين أن طريقة الذبح الإسلامي هي أرحم بالحيوان من الطرق المتبعة لديهم من صعق الحيوان بالكهرباء أو ضربه على الناصية بمطرقة من الحديد قبل ذبحه..وأكد فضيلته أن هناك مجالا آخر لم يغفله المسلمون, ألا وهو توجيه الدعوة إلى كبار المسئولين في الحكومة على حضور حفلة افتتاح مسجد من المساجد أو مدرسة من المدارس الإسلامية أو مناسبة دينية مثل الأعياد وهذا مما يجعلهم يسمعون بعض تعاليم الإسلام مباشرة.
وقد أشار العلامة الدكتور عبد الله المطلق إلى ما يعتقده بعض المسلمين حول حسن الخلق مع الكفار واعتباره مداهنة وتنازلا وأنه لا بد من الغلظة معهم كما قال تعالى:{يا أيها النبي جاهد الكافر والمنافقين واغلظ عليهم} (التوبة 73) قائلا: يرى بعض المسلمين المعاصرين أن هذا الكلام هو الذي ينبغي أن يطبقه المسلم في جميع أحواله وهذا خطأ، فإن المسلم تمر به أحوال كثيرة فيكون في حالة ضعف ويكون في حالة قوة، وقد مرت هذه كلها على الإسلام قديما، وتختلف الأحكام في حال الضعف عن الأحكام في حال القوة، وهذه الآية التي استدل بها بعض المسلمين على وجوب الغلظة وهي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} هذه الآية في الكفار الذين وقفوا في وجه الدعوة وصدوا عن سبيل الله ومنعوا انتشار هذا النور ووصوله إلى المستضعفين، فهؤلاء لا بد من جهادهم بعد دعوتهم إلى الله تعالى, أما ما نحن بصدده في هذه الندوة, فالمسلمون أقلية مستضعفون في بلاد غيرهم، الحل والعقد فيها بأيدي غيرهم، ولو أن هؤلاء غلطوا أو اشتدوا لانقلب الأمر عليهم، وهؤلاء ينبغي أن يأخذوا في حياتهم الدروس التي أباحها الشرع للمستضعفين من المسلمين الذين يقيمون في خارج الوطن الإسلامي، وقد ذكر ذلك ربنا جل وعلا عن المسلمين المستضعفين في مكة، وحفظت لنا السيرة النبوية حال المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة، وعلى هذا فإنه مما ينبغي أن يعرف الفرق بين المداهنة التي هي التنازل عن بعض أمور الدين والمداراة التي هي المصانعة وأن يجري الإنسان أمره تبعا للمصالح الشرعية من غير أن يتنازل عن دينه، وقد عقد الإمام البخاري رحمه الله في الصحيح بابا بجواز المداراة، أما المداهنة فإن رب العالمين ذمها في قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} فالمداهنة ممنوعة، غير جائزة لأنها تتضمن التنازل عن شيء من أمور الدين مثلما قال الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم اعبد إلهنا سنة ونبعد إلهك سنة، ومثلما لو أن الكفار اشترطوا على المسلمين التنازل عن شيء من دينهم كأن يطلبوا منهم أن تتزوج المسلمة الكافر، أو أن تختلط بناتهم في المدارس مع غير المسلمين، فهذا لا يجوز, لكي لا يصل الأمر إلى ضياع الأعراض، فينبغي على المسلمين ولو كانوا أقلية أن يكونوا في مجتمعات إسلامية يحفظون فيها أعراضهم التي لا يجوز لهم أن يتنازلوا عنها.
أما فضيلة الدكتور فضل الهادي وزين أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فقد لفت الانتباه إلى أهمية التعاون مع غير المسلمين في مجال الإعلام من أجل شرح القضايا الإسلامية بمختلف أبعادها في وسائل الإعلام الغربية والتواصل معها من أجل رد وإزالة الشبهات التي تلصق بالإسلام والمسلمين من قبل المتطرفين من اليهود والنصارى زورا وبهتانا ،ومن أجل تقديم الشريعة الإسلامية كونها شريعة صالحة لكل زمان ومكان, وأن الدين الإسلامي دين رحمة ومودة وسلام وأن المسلمين هم قدوة حسنة لغيرهم، وأضاف قائلا: يجب دعم وتشجيع وتكريم المنصفين من غير المسلمين من الكتاب والإعلاميين والمفكرين الذين أنصفوا الإسلام ودافعوا عن قضايا المسلمين، فهناك العديد من الوجوه الغربية التي تبين الحق وتوضح حقيقة ما تتعرض له المسلمون في العديد من بقاع الأرض ويظلمون وتسلب أراضيهم ويحاصرون في أرضهم ووطنهم، وهؤلاء يقومون بعرض الحقائق عن المسلمين ويشيرون إلى تسامح الإسلام, وخير دليل على ما نقول تسيير عدد من القوافل الإنسانية من بريطانيا وغيرها لدعم أهل غزة في أرض الإسراء والمعراج والوقوف والتضامن مع معهم.
ومن نافلة القول التحدث عن التأثير العميق الذي يحدثه الإعلام على صياغة اتجاهات الرأي العام، ومن أجل صد الهجمات الإعلامية المكرسة لتشويه صورة الإسلام والمسلمين في الغرب التي تحدث مضايقات للأقليات الإسلامية هناك، وبالتالي يتم تهميشهم ويعيشون مضطهدين معزولين عن محيطهم الاجتماعي، ومن أجل هذا كله ينبغي على الوسائل الإعلامية الإسلامية المتنوعة في الغرب القيام بواجبها والتعاون مع نظيراتها الغربية بما لا يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية وعقيدتنا الإسلامية من أجل التنوير الثقافي والسياسي والاجتماعي لأبناء الجالية المسلمة أولا، وتقديم رسالة الإسلام مبرأة من كل عيب لغير المسلمين والذب عن الدين الإسلامي ثانيا.
أولويات التعاون
وحول الأولويات المطروحة لتفعيل الوجود الإسلامي في أوربا وأمريكا من خلال التعاون مع الأقليات الأخرى أو مع بعض فئات المجتمع التي لها مطالبها الخاصة وتتحد مع مطالب المسلمين قال الدكتور صهيب: نرى أن مجال التعاون الأساسي هو مع النصارى بجميع طوائفهم عموما ثم التعاون مع بقية أتباع الديانات الأخرى حيثما وجدوا، كما نرى أيضا أن الأولويات التي يجب أن يتنبه لها المسلمون هي استغلال جميع المناسبات – سواء كانت دينية أو سياسية- لتوجيه دعوة الإسلام إليهم وهذا ما تفعله العديد من الهيئات والجمعيات الإسلامية..
وهناك مجال آخر تم فيه تعاون وثيق بين الممثلين عن المسلمين والآخرين من النصارى بخصوص بحث عن أسباب ما سموه (إسلاموفوبيا) أي الخوف من خطر الإسلام في الإعلام داخل المجتمع البريطاني، فجاءت هذه الجهود المشتركة بتقرير واف عن مظاهر (إسلاموفوبيا) تحت إشراف (وقف رني ميد) وأصبح هذا التقرير مصدرا مهما لجميع الطوائف لمعرفة الأسباب الكامنة وراء الهجوم على الإسلام وطرق مقاومتها.
ومن الممكن التعاون مع كل طائفة في أمور مشتركة بينها وبين المسلمين، فينبغي أن يكون المجال مفتوحا للتعاون مع جميع الفئات المتدينة التي تندد بالفحشاء والمنكرات والتعري والشذوذ الجنسي والإباحية والبغاء.. فإن العقلاء من النصارى وغيرهم لا يحبذونها أيضا وإن كانوا يغفلون عنها كثيرا، فهم في حاجة إلى تذكير وإنكار، ولا يمكن أن يقوم بهذه المهمة خير قيام إلا المسلمون الذين من واجبهم الأساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
المناسبات الإنسانية والكوارث والأزمات مجالا للتعاون
وقال الدكتور صهيب شارحا موضوع تعاون الأقليات المسلمة مع غيرهم في المناسبات الإنسانية والكوارث والأزمات:
لاشك أن الكوارث التي يتعرض لها البشر تستدعي التكاتف والتعاطف من الجميع بدون تمييز بين الأسود والأبيض أو بين المسلم وغير المسلم، وقد رأينا أن عددا من جمعيات النصارى كان لها فضل السبق إلى محل الكوارث والنكبات حيثما حدثت.. وعلى الجمعيات الإسلامية أن تتعاون مع مثيلاتها الأخرى لمد يد المساعدة إلى المنكوبين المتضررين، ولكن يلاحظ أن الجمعيات المسلمة في البلاد الإسلامية لا ترفض يد أية مجموعة غير مسلمة أتت لتساعدها في محنتها ولكن قلما ترحب جمعيات التنصير بالتعاون مع المسلمين حتى تتمكن من التستر على عملها، وقد لوحظ ذلك خلال محنة مسلمي كوسوفا عندما فرض على المهاجرين الحصار في مخيمات داخل ألبانيا وكانت الجمعيات النصرانية آنذاك تتمتع بحرية تامة للتنقل في صفوفهم بينما لم تجد الجمعيات الإسلامية إليهم سبيلا إلا بشق الأنفس.. وعلى كل حال, هذا لا يمنع من التعاون معهم إذا رحبوا به، فقد رأينا في بريطانيا مثلا اللوردات وأعضاء البرلمان من يناصر قضية كشمير أو فلسطين أو الشيشان فهؤلاء وأولئك يجب على المسلمين أن يرحب بهم أيما ترحيب ويستعينوا بهم في شرح قضيتهم حيثما وجدت الفرص.
فوائد عظيمة ونتائج إيجابية لصالح الأقليات المسلمة
ولخص الدكتور صهيب بعض الإنجازات والفوائد التي حققها المسلمون جراء تعاونهم مع الجاليات الأخرى فيما يلي:
1. الحصول على الترخيص لبناء عدد من المساجد في الأحياء السكنية في بريطانيا، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا لم يكن هناك نقد أو اعتراض من قبل غير المسلمين في المنطقة التي يراد بها إقامة المسجد، مشيرا إلى معارضة الأهالي النصارى لإقامة مسجد في حي "ليتون " من أحياء شرق لندن حتى دخلنا في حوار مباشر معهم للرد على تساؤلاتهم وإزالة بعض مخاوفهم، ولولا وقوف عدد من أعضاء المجلس البلدي من غير المسلمين معنا – عندما عرض للتصويت- لما استطعنا الحصول على الترخيص إطلاقا.
2. ذكرنا سابقا كيف استطاع سكان منطقة "هيرنجي" في شمال لندن منع إدخال كتب تتحدث عن حياة أصحاب الشذوذ الجنسي بمكتبات المدارس الابتدائية ولم يتم ذلك إلا بجهود مشتركة منا ومن غير المسلمين. .
3. استطاع المسلمون بالتعاون مع الهيئات الإدارية -وكلها من غير المسلمين – إيجاد أماكن للصلاة في عدد من الأماكن مثل مستشفى "رايل فيري" في لندن ومطار "هيثرو" بالعاصمة وداخل عدد من السجون البريطانية وهذا مما يدل على أن هناك نوعا من التفاهم بين المسلمين وغيرهم.
4. درجت شركات الإعلان الكبرى على رفع ونصب إعلانات صارخة عن منتجاتها في الأماكن العامة وحدث أن نصبوا صورة امرأة في غاية من التعري والإثارة على لوحة إعلانات ضخمة في شوارع العاصمة وغيرها من المدن، وكانت الدعاية إنما هي لعطر من العطور النسوية المعروفة باسم "أوبيم" وما أن مر على نصب هذه اللوحات أسبوع أو أسبوعان إلا اضطرت الشركة إلى إنزالها وإتلافها وذلك بسبب الاحتجاجات الصارخة من المسلمين خصوصا ومن قبل بعض جمعيات النصارى التي تعاونت مع المسلمين أيضا، وقد أبدى المسلمون استياءهم في مدينة برمنجهام بالذات بتمزيق هذه اللوحة أو طمس الصورة المرسومة عليها قبل أن تسحب نهائيا من الشوارع.
وكلما تمسك المسلمون بدينهم بصورة صحيحة سليمة، وفقهوا واقعهم الذي يعيشون فيه بجميع عناصره ومتغيراته، وأحسنوا التعامل مع مجريات الأحداث والمواقف استطاعوا بمشيئة الله تعالى أن يحققوا لهم مكاسب وإنجازات تعود بالنفع الكبير على مجموعتهم.

أما فضيلة الأستاذ الدكتور محمد جبر الألفي مفتي المسلمين في فرنسا سابقا وعضو مجمع الفقه الإسلامي يضيف إضافة مهمة قائلا :
لا نرى مانعاً من تفاعل الأقليات المسلمة داخل المجتمعات التي تعيش فيها؛ فهذا لا يتعارض مع مبادئ الإسلام وتوجيهاته، وقد يؤدي إلى زيادة أعداد المهتدين من المواطنين، مع مراعاة التمسك بالثوابت الإسلامية التي تمثلها مقاصد الشرع الإسلامي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال، وتعهدها من أن يتطرق إليها فساد، أو يحيط بها غبش. وفيما عدا ذلك، فإن تفاعل الأقليات المسلمة داخل المجتمعات الغربية ينضبط بقاعدتين جوهريتين: وردت الأولى في سورة الممتحنة:{لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}.
وأما القاعدة الثانية فمضمونها: أن ما كان منهياً عنه لسد الذريعة فهو أخف مما حرّم تحريم المقاصد، ويفعل لأجل المصلحة الراجحة.

No comments:

Post a Comment

Yes Welcom